حصريا قصة خلاف احمد رامى مع كوكب الشرق ام كلثوم

وهل من الممكن أن يكون ذلك ؟!

لقد ارتبط اسم أحمد رامي بأم كلثوم رباطا وثيقا منذ البدايات الأولى في العشرينات الميلادية من القرن العشرين، وبعد استقرار المطربة الشابة الناشئة في القاهرة وسطوع نجمها وبواكير حياتها الفنية الحافلة .. وكان للشاعر أحمد رامي الفضل غير المنكور في الأخذ بيد الفنانة الواعدة، وفي صياغة ذوقها الأدبي وتكوين ثقافتها الفنية، وتوجيهها لقراءة دواوين الشعر العربي القديم .. فضلا عن كتابة الأشعار الفصيحة والعامية المخصوصة لأغانيها .. كان بمثابة الأستاذ والمعلّم والأب الروحي لأم كلثوم .. فهل يكون بعد ذلك خلاف يستدعى السخط والغضب لحدّ صياغة أشعار الهجاء والذم .. ؟!

وقد شغل الناس أنفسهم بقضايا خياليّة ومواضيع عن الحبّ والغرام والعشق .. وأرى أن العلاقة بين الأثنين كانت أرقى وأسمى مما يتخيّل المتخيّلون، ولم تكن حبّا بالمعنى المتعارف عليه، على الأقل من جانب أم كلثوم .. وإلا مالذي منع من زواجهما وقد التقيا منذ فترة مبكّرة في العشرينات .. ؟؟

في تصريح صحفي لأم كلثوم لاأذكر بالتحديد أين قرأته جاء على لسانها القول :"إن احمد رامي جزء من تاريخي الفني والغنائي، لكني مابحبوش ! " .. تعاملت أم كلثوم مع رامي بذكاء وبراعة، واستطاعت ان تستخرج منه أجمل وأرق كلمات الغزل والغرام وأكثرها إمتلاء بالحنين والعاطفة الملتاعة ومعاني الهجر والحرمان والسهد والنوح والصدّ والدموع .. بحيث لاتخلو أغنية كتبها رامي من التعبير عن عاطفة صادقة ومشاعر جيّاشة تمتلك نفس كاتبها، وتعبّر عن موقف معيّن في الحياة الشخصيّة للشاعر .. ولعل ذلك كان خيرا له ولفن أم كلثوم العظيم .. فمن المرّجح أن جذوة الإبداع والشاعرية ستنطفئ وتخمد لو قُدِّر لهذه العلاقة أن تتوّج بالزواج والإقتران، ولن يظفر الفن عندها بتلك الدرر الباقية أبد الدهر .. ياظالمني .. جدّدت حبك ليه .. غلبت أصالح في روحي .. حيّرت قلبي معاك .. وغيرها مما لايحصى كثرة وتنوّعا ..

ولكن لماذا غضب أحمد رامي على أم كلثوم بعد كل ذلك لدرجة أن يهجوها وهو الشاعر المليء بالإنسانية والشعور الفيّاض ؟!
تروي الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها :"أم كلثوم عصر من الفن" خلفيّات هذه الواقعة ببعض التفصيلات ..

- في يونيو 1932 م أقام معهد الموسيقى الشرقي حفل تكريم للآنسة أم كلثوم متخطّيا الفنانة منيرة المهدية التي دافعت عنها "روزاليوسف" واعتبرت هذا غبنا لها بحكم الأقدمية .. والجدير بالذكر أن روزاليوسف من حزب منيرة المهدية وطالما كانت ضد أم كلثوم في تلك الحقبة ..
- وفي ذلك الحفل التكريمي ألقى أحمد رامي قصيدة في مدح أم كلثوم جاء في بعض أبياتها :


طربُ النفس في سماع الأغاني .. وقعتها مثالثٌ ومثاني
ونجيّ الأرواح صوتٌ شجيٌ .. يتغنى بأعذب الألحان
وجمال الروض في طيرها الشادي .. على ناضر من الأفنان
.............................. ..............

وكان رامي قد قال نفس الأبيات في محمد عبد الوهاب قبل عامين .. فاستغلت روزاليوسف الفرصة ونشرت القصيدتين في مكان واحد لتوكيد التكرار والتطابق وذلك تحت عنوان عريض :"الشاعر رامي يهين أم كلثوم ! " مع بعض الكاريكاتيرات الساخرة ..
- وقد نجح مسعى روزاليوسف في تعكير صفو العلاقة بين الشاعر والمطربة التي لم تكد تلقاه حتى جابهته قائلة :"أنا متأسفة اللي عرفتك ! " .. أخطأ رامي في تصرّفه ربما ولكن كلمة ام كلثوم جرحته وآلمت شعوره وكبرياءه وأدمت فؤاده .. ومن حينها قاطعها وقاطع الإستماع إلى أغانيها وصرم عهدها .. وظل يتعذب ويعاني ثمانية أشهر، وأخفق من حاولوا التوفيق بين الطرفين ..
ثم تشاء الأقدار أن تعود المياه إلى مجاريها وتكون مبادرة الصلح من رامي الذي استجاب لإلحاح الوسطاء، وقام بزيارة أم كلثوم في المستشفى بعد ان أجرت جراحة الزائدة الدوديّة .. وعادت الأمور كما كانت عليه ..

- أما القصيدة التي نظمها أحمد رامي فلم تكن هجاءً بالمعنى الكلاسيكي القديم بقدر ماكانت اعتدادا بالنفس ومحاولة لعلاج جرح الكرامة والكبرياء .. وممّا جاء في تلك القصيدة هذه الأبيات :


من أنتِ حتى تستبيحي عِزتي .. فأهين فيكِ كرامتي ودموعي
وأبات حرّان الجوانح صاديا .. أصلى بنار الوجد بين ضلوعي
أعمى عن الحسن الذي هامت به .. نفسي وطال إلى سناه نزوعي
وأصمّ عن نغمٍ عشقتُ سماعه .. أيام كان القلبُ غيرَ سميعِ
.............................. ......
إني كسوتكِ من خيالي حُلّة .. وشّعتُ صفحتَها بزهر ربيعي
ونشرتُ من روحي عليكِ غلالة .. كالليل آذن فجرُه بطلوعِ
ندِيَت جوانبُه ورقّ نسيمُه .. وأرنّ فيه الطيرُ بالترجيعِ
وأجلتُ فيكِ طبائعي فشربتِها .. ووردتِ منهل شعري المطبوع
وسمعتِ همس خواطري فحكيتِه .. لحناً يشوق النفس بالتوقيعِ
ووصلتِ من عيشي بعيشكِ حقبةً .. شاركتني في ذكرها المرفوع
.............................. .....
يا زهرة أنضرتُها ورعيتُها .. وسقيتُ تربتَها زكيّ نجيعي