غنت ألحان رياض السنباطي اصوات متعددة اما الصوت الذي اعطى هذه الالحان بريقا ذهبيا وقيمة فنية كبيرة كان بلا شك صوت ام كلثوم.
في لقاء مع إحدى الصحف روى رياض لقاءه الثاني مع ام كلثوم فقال " كنت أقيم في شقة لوحدي وطلبت تليفون كي يسهل علي اعمالي واتصالاتي وفي اليوم الاول الذي دخل فيه التليفون الى الشقة سمعت اغنية لام كلثوم من الراديو فتذكرت تعارفنا في محطة الدلتا . وكنت قد عرفت رقم تليفونها من الإذاعة فاتصلت بها وعندها ذكرت لها اسمي تذكرت بإن والدها الشيخ ابراهيم كان يغني مع والدي في الأفراح ودار بيننا حديث قصير قالت لي في نهايته " ابقي خلينا نشوفك يا استاذ رياض مادام انت في مصر وانا في مصر"
وفي حديث صحفي آخر قال رياض:
بعد سبعة عشر اما من لقائنا الاول في درين التقيت بالفتاة ام كلثوم مرة اخرى كان صيتها قد ملأ الافاق في القاهرة حين بدأت عملي كمدرس للعود بمعهد الموسيقى وكنت اتابع الحانها. واحسد اللذين يلحنون لها وكانت تتحرك في اعماقي ملكة التلحين تعبيرا عن عواطف جياشة يعيشها الشاب في مثل سني.
كنت قد تقدمت بإنتاجي لشركة اوديون فعهدت لي بمطربين ومطربات جدد وكنت على موعد مع القدر لان الفنانة ام كلثوم استمعت الى بعض هذه الالحان فطلبت ان الحن لها. وهكذا بدأت اصنع صفحات عمري ..تعاونت مع مطربة العرب الأولى على مدى اربعين عاما".
وكانت بداية اللقاء الفني عام 1936 حين لحن لها رياض "النوم يداعب عيون حبيبي" كلمات احمد رامي. اعجبت ام كلثوم بهذا اللحن وقدمته في حفلها الشهري على مسرح قاعة ايوارت التذكارية بالجامعة الامريكية بالقاهرة. وقفت أم كلثوم وفرقتها لتقدم ملحنها الجديد في مونولوج النوم يداعب عيون حبيبي وكان حفلا مذاعا ويعتبر هذا اللحن تحولا في حياة ام كلثوم والسنباطي معا.
وبعد نجاح هذه الأغنية تمسكت ام كلثوم بهذا الملحن العظيم وانضم رياض لملحني ام كلثوم القصبجي وزكريا.
وظل رياض يمد ام كلثوم بألحانه وروائعه حيث وجد رياض في صوت ام كلثوم ضالته المنشودة فبقدراتها الصوتية غير المحدودة وبإعجازها غنت الحانه فأطربت وأبدعت . قدم رياض الحانه لأم كلثوم فترة تقترب من الاربعين سنة تخللها خصام دام عامين لم تغن خلالها غير حب ايه و هو صحيح الهوى غلاب.
وفي عام 1935 اشترك رياض بالحانه في فيلم وداد حيث قدم الحان المجموعات وبعض المقطوعات الموسيقية وطقطوقة على بلد المحبوب لصوت المطرب عبده السروجي ولما نالت هذه الاغنية نجاحا كبيرا طلبت ام كلثوم تسجيلها على اسطوانة بعد استئذان صاحبها.
ومن الملاحظ في الحان رياض الاولى لام كلثوم انه كان شديد التأثر بأسلوب القصبجي ناسجا على منواله ثم بدأت شخصيته الفنية تستقل وجاءت الحانه بطريقته الخاصة المميزة. ولا شك ان غناء ام كلثوم لالحان السنباطي ساعد في شهرته كما فتحت له ابوابا يظهر فيها امكاناته اللحنية. فام كلثوم غنت له الاشكال المتنوعة من الاغاني منها التقليدي ومنها والمعاصر.
ومن أشهر القوالب الغنائية التي اشتهر بها رياض هي القصائد ففيها استطاع ان ينفرد بأسلوب مميز متطور.
خص رياض حبه وفنه للقصيدة قائلا " الشعر ارقى انواع الادب فيجب والحالة هكذا ان تكرس له أرقى انواع التلحين لانه الوسيلة الوحيدة للإرتفاع بالمستوى الثقافي والفني للجماهير. وهذا لن يتم إلا عن طريق أقرب وسيلة للتعبير عند الجماهير - الغناء الذي يعتبر ألصق الفنون واقربها الى نفوس الجماهير"
ومن أشهر ما لحن رياض من قصائد لام كلثوم :
عيد الدهر أحمد شوقي
أتعجل العمر أحمد شوقي
قالوا احب القيس سلامة احمد باكثير
كيف مرت على هواك القلوب احمد رامي
أصون كرامتي رامي
نهج البرده شوقي
سلوا قلبي شوقي
سلوا كؤوس الطلا شوقي
السودان شوقي
ولد الهدى شوقي
النيل شوقي
رباعيات الخيام رامي (مترجمة عن الفارسية لرباعيام الخيام)
مصر تتحدث عن نفسها حافظ ابراهيم
أغار من نسمة الجنوب رامي
بأبي وروحي شوقي
عرفت الهوى طاهر ابو فاشا
يا صحبة الراح طاهر ابو فاشا
الفجر الجديد محمد الماحي
قصة الأمس أحمد فتحي
قصة السد عزيز اباظة
ثورة الشك الأمير عبد الله الفيصل
توبة عبد الفتاح مصطفى
أرض الجدود أحمد العدواني (الكويت)
إلى عرفات الله شوقي
يا ربا الفيحاء محمود حسن اسماعيل
الأطلال د.إبراهيم ناجي
حديث الروح محمد اقبال
أقبل الليل رامي
من أجل عينيك الأمير عبد الله الفيصل
الثلاثة المقدسة صالح جودت
مصر د.ابراهيم ناجي
تأثر السنباطي في بداية تلحينه للقصيدة بالمدرسة التقليدية كما تأثر بأسلوب زكريا أحمد .وأخذ رياض عن عبد الوهاب الطريقة الحديثة التي ادخلها على المقدمة الموسيقية حيث استبدل بالمقدمة القصيرة اخرى طويلة. ومن القصائد التقليدية التي لحنها رياض لام كلثوم قصيدة "أراك عصي الدمع"لأبي فراس الحمداني وأضاف عليها الأبيات:
وفيت وفي بعض الوفاء مذلة لفاتنة في الحي شيمتها الغدر
تسائلني من أنت وهي عليمة وهل لشج مثلي على حاله نكر
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى قتيلك قالت أيهم فهم كثر
ثم اتجه في تلحينه للقصيدة الى اسلوب وسط بين القديم والحديث فظهر له عدد من القصائد لشعراء معاصرين مثل "اذكريني" لرامي غنتها ام كلثوم 5 يناير ولم تسجل على اسطوانة.
ثم أوجد رياض بعد تجارب عديدة قالبا جديدا للقصيدة الحديثة ومن أولى تجاربه قصيدة "سلوا قلبي" لشوقي 1946 واغار من نسمة الجنوب 1954
غنت ام كلثوم سلوا قلبي عام 1946 اختارت منها 20 بيتا واختار السنباطي مقام الراست لتلحين هذه القصيدة .وقد غنت ام كلثوم هذه القصيدة عشرات المرات.
روى رياض السنباطي موقفا مشرفا لأم كلثوم قائلا
" وقفنا بمسرح معهد الموسيقى العربية قبل الثورة كنا نسجل قصيدة ولد الهدى في مدح الرسول وأثناء التسجيل فؤجئنا بشخصية هامة تصعد الى المسرح وتطلب التحدث الى ام كلثوم .توقف التسجيل برهة.وبعد لحظات لاحظت انفعال ام كلثوم وغضبها فحاولت أن اتبين الأمر فعرفت ان القادم موفد من القصر الملكي جاء يطلب حذف البيت :
الإشتراكيون أنت امامهم لولا دعاوى القوم والغلواء
قلت لها يا ام كلثوم : لماذا يتدخل القصر في عملنا الفني بهذه الصورة؟ ان هذا البيت يا ست في تصوري كملحن اهم بيت في القصيدة وهنا اعلنت ام كلثوم تمسكها بالبيت وتحديها لمطالب القصر بل هددت بإلغاء التسجيل في حالة إذا ما أصر القصر على التدخل توقف التسجيل حوالي ساعة. اجرت ام كلثوم اتصالاتها بالقصر وأعلنت اصرارها على غناء البيت فما كان من القصر الا ان رضخ لرأي ام كلثوم واعيد التسجيل كما هو دون حذف"
الخلاف بين أم كلثوم ورياض:
في عام 1955 وبعد اداء ام كلثوم لرائعة السنباطي ذكريات نشب خلاف بينهما واعطى رياض عامدا متعمدا شهرزاد لحنه الكبير "يا ناسيني" وشارك رياض بالعزف على العود في تسجيل هذه الأغنية.
أدت شهرزاد هذه الأغنية في عيد شم النسيم في العام نفسه وكان الحفل مذاعا على الهواء من الاذاعة المصرية ونجح اللحن واستعاده الجمهور عدة مرات وكان اللحن جميلا والاداء بديعا
استمعت ام كلثومالى الراديو وبعد انتهاء الغانية امسكت التليفون واتصلت برياض السنباطي وسألته دون مقدمات: عملت الأغنية دي امتى؟ أجاب رياض: الشهر ده. قالت: ومن امتى بتغزف عود في مقدمة أغانيك ؟؟ انت عمرك ما عملتها معايا؟ فأجاب: اللحن عاوز كده
وبعد هذه المحاثة عادت المياه الى مجاريها وفهمت ام كلثوم انها فقدت الكثير بابتعادها عن ألحان رياض وكان السنباطي يهدف من وراء هذا اللحن ان يلقن ام كلثوم درسا ويفهمها انها يستطيع ان يتعامل مع أصوات غيرها.
روى رياض السنباطي في حديثه لتلفزيون الكويت أسباب الخصام الذي وقع في الفترة بين عامي 1960-1961 بينهما أنه كان بسبب تدقيقه في كلمات الأغنية التي يكلف بتلحينها . ومن طبع ام كلثوم التدخل في صياغة اللحن والكلمات وأشاد في حديثه بثقافتها العالية وذوقها الفني الرفيع في اختيار الكلمة وقال انه في بعض الأحيان يقبل التعديل وفي أحيان أخرى لا يقبلها.
وفي حديث أخر أدلى به رياض السنباطي بعد وفاة ام كلثوم قال: لم تحدث بيني وبين ام كلثوم اية خلافات فنية وانما كانت خلافات على المادة ففي بعض الاحيان كنت اطلب منها ان تزيد لي ثمن اللحن اللذي الحنه لها . وعندما تجيب بالرفض يقوم الخلاف بيننا وفي بعض الاحيان يكون الخلاف حادا فاتركها لفترة قصيرة ثم نعود للعمل معا من جديد .ولكن في احدى المرات استمر الخلافات بيننا مدة عامين كاملين ولم تغن لي اي لحن في موسمين متتاليين.
وفي ألم وحسرة استطرد رياض حديثه فقال: ليت ام كلثوم عاشت لقد كنت على استعداد ان اقدم لها كل الحاني بلا مقابل ولا اتقاضى منها المال أبدا"
ويقول أحمد الحفناوي (عازف الكمان الاول بفرقة ام كلثوم):
كان خلاف ام كلثوم مع رياض السنباطي احيانا بسبب بعض الجمل الموسيقية في الحانه ورياض انسان يعتز بنفسه جدا , ذو كبرياء حاد ولا يلين بسهولة. فحين كانت ام كلثوم تطلب منه ان يغير او يبدل جملة موسيقية في اللحن , وذلك لانها ليست مرتاحة لهذة الجملة كان يرفض بشدة بل ويغضب جدا ويتصور طلبها هذا يعني انها تدعي انا اكثر فهما منه في الموسيقى . وحين تحاول ام كلثوم بدورها ان تقنعه بان الجملة الموسيقية المراد تغييرها تعاكس صوتها .. او تتعب غناءها فإنه يرضخ لها لكنها تشعر بتردد لتنازله هذا !! ويساورها الشك والوسوسة .. لأن الأستاذ رياض تنازل لرأيها فتأخذ رأيي .وكانت تثق في ذوقي فأجيب بأنني أفضل الجملة الاولى التي كان يصر عليها رياض.لكنها تعرض عن رأيي أيضا وهذا لكونها كانت تعتز بنفسها جدا . ام كلثوم كانت قوية الشخصية . وفي البروفة التالية , تطلب ام كلثوم سماع الجملة الاولى مرة اخرى وترضى بها وتغنيها . كانت في النهاية تثق في قدرة رياض الموسيقية وتعلم انه يعطيها اجمل وافضل ما عنده من الحان وأن رؤيته وذوقه سليمان.